المرأة والصحة والجمال

المتحف المصري الكبير.. رحلة عبر الزمن بتقنيات المستقبل

فمع التحولات الرقمية التي طالت كل القطاعات، لم تعد المتاحف مجرد أماكن لعرض القطع الأثرية خلف الزجاج، بل تحولت إلى فضاءات تفاعلية تعرف اليوم باسم “المتاحف الحية”، حيث يعيش الزائر التجربة بدلاً من أن يكتفي بمشاهدتها.

التكنولوجيا تعيد ذكريات الماضي

يقول محمد علاء، خبير تكنولوجيا العرض الرقمي وتطوير المحتوى المتحفي لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن فكرة “المتحف الحي” تمثل ثورة في الطريقة التي يقدم بها التاريخ للجمهور، فهي “تجعل الماضي ينبض بالحياة عبر أدوات حديثة تمزج بين الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) والذكاء الاصطناعي (AI)، ما يتيح للزائر أن يعيش القصة بدلا من الاكتفاء بمشاهدتها”.

ويضيف أن هذه التقنيات تفتح الباب لتجربة فريدة تحول الزائر من متفرج إلى مشارك، إذ يمكنه التفاعل مع الملكة نفرتيتي أو مشاهدة معركة تاريخية تدور أمامه بتقنيات الهولوغرام، فيشعر وكأنه عاد آلاف السنين إلى الوراء.

ويشير علاء إلى أن هذه التجربة “تنشئ رابطاً وجدانياً جديداً بين الإنسان وتراثه، وتجعل المتحف مساحة للحوار مع التاريخ لا مجرد قاعة للعرض”.

من المشاهدة إلى المشاركة

بحسب محسن صالح أستاذ تكنولوجيا التراث بكلية الأثار في حديثه لموقع “سكاي نيوز عربية”، فإن هذا التحول يغيّر طبيعة العلاقة بين الجمهور والمقتنيات: “فبدلاً من أن يكتفي الزائر بالتأمل في القطعة الأثرية، أصبح جزءاً من القصة نفسها”.

ويضيف أن تفاعل الزائر هو مفتاح نجاح المتاحف الحديثة، لأن الأجيال الجديدة تبحث عن التجربة والمعايشة لا عن التلقين أو القراءة فقط.

وفي السياق، كشف مصدر داخل وزارة السياحة والآثار إلى إدخال عناصر رقمية في أسلوب العرض، مثل الشاشات التفاعلية التي تتيح للزوار استكشاف تفاصيل القطع الأثرية، أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم شروحات صوتية مخصصة لكل فئة عمرية أو لغة، حيث يجري حالياً تدريب المرشدين الأثريين على استخدام أدوات الواقع الافتراضي لتقديم جولات رقمية داخل وخارج قاعات العرض، بحيث يصبح المتحف المصري الكبير نموذجاً يحتذى به في المنطقة.

المتحف المصري الكبير.. بوابة المستقبل

افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر المقبل لن يكون مجرد حدث أثري، بل إعلان دخول مصر عصر المتاحف الذكية، فالمتحف، الذي يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية بينها المجموعة الكاملة لتوت عنخ آمون، سيقدم تجارب تفاعلية تستخدم تقنيات الواقع المعزز والهولوغرام، إلى جانب عروض صوتية وبصرية تُعيد لحظات من التاريخ المصري القديم بطريقة لم تشهدها المنطقة من قبل.

ومن أبرز مظاهر التجهيز، نقل مركب الشمس الثانية للملك خوفو من موقعها الأصلي بجوار الهرم الأكبر إلى قاعة عرض خاصة داخل المتحف، في واحدة من أكثر عمليات النقل الأثري تعقيدًا في العالم، كما ستُعرض مجموعة الملك توت عنخ آمون بالكامل لأول مرة في مكان واحد، وهو ما اعتبره خبراء الآثار نقطة تحول في سرد التاريخ المصري بطريقة تجمع بين الدهشة والمعرفة.

كما يُتوقع أن يكون للمتحف دور ريادي في التعاون مع شركات تكنولوجيا مصرية لتطوير تطبيقات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي في المجال الثقافي، ما يفتح الباب أمام صناعة جديدة تجمع بين الإبداع والتراث والتقنية. هذا التوجه قد يجعل من التجربة المصرية نموذجاً إقليمياً يُحتذى به في كيفية توظيف التكنولوجيا لخدمة الثقافة، لا العكس.

وفي سياق متصل، أعلنت محافظة الجيزة في بيان رسمي انتهاء أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير بالكامل، استعدادًا للحدث العالمي المرتقب.

وأوضح البيان أن المشروع شمل رفع كفاءة الطرق والمحاور المؤدية إلى المتحف من طريق القاهرة- الإسكندرية الصحراوي وميدان الرماية وحتى ساحة الدخول الرئيسية، إلى جانب تطوير الواجهات المحيطة وتنسيق المسطحات الخضراء وإنشاء منظومة إضاءة حديثة تضفي طابعا جماليا على المنطقة ليلا، كما تم الانتهاء من إنشاء ممشى سياحي يربط المتحف بمنطقة الأهرامات وتوسعة ساحات الانتظار لاستيعاب الزيادة المتوقعة في أعداد الزوار، بما يحول المنطقة إلى مركز جذب سياحي متكامل يعكس وجه الجيزة الحضاري الجديد.

نقطة تحول في تاريخ المتاحف العالمية

ويرى مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن المتحف المصري الكبير يمثل “نقطة تحول في تاريخ المتاحف العالمية”، مضيفًا أن الدولة حرصت على أن يكون هذا المشروع “رمزًا لتكامل الجهود الوطنية من أجل الحفاظ على الهوية المصرية وتقديمها للعالم بأحدث الوسائل”.

ويوضح وزيري أن الافتتاح “لن يكون عرضًا تقليديًا للآثار، بل تجربة تفاعلية متكاملة تمزج بين التعليم والمتعة والمعرفة”.

من جانبه، يؤكد زاهي حواس، عالم الآثار المصري المعروف، أن المتحف سيغير خريطة السياحة الثقافية في المنطقة، موضحًا أن “العالم سيشهد أكبر عرض لتاريخ حضارة واحدة في مكان واحد، فكل قطعة تم اختيارها بعناية لتروي فصلًا من فصول مصر القديمة”.

وأضاف أن المتحف “ليس فقط مشروعًا أثريًا، بل استثمار وطني في القوة الناعمة المصرية يعزز مكانتها في الوعي العالمي”.



Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts