في وقتٍ تتزايد فيه الانقسامات داخل صفوف “الإخوان” الهاربين بالخارج، فجّر تسريبٌ جديد موجةَ غضبٍ واتهاماتٍ بالخيانة والعمالة، بعد ظهور معلومات عن سفر إحدى قيادات ما يُسمّى بـ”الجالية المصرية الإخوانية” سرًا إلى القاهرة، قبل أن يعود إلى دولة الملاذ الآمن ويعلن تجميد نشاطه. هذه الرحلة السرية لم تكن مجرد واقعة عابرة، بل أشعلت موجة جديدة من اتهامات التخوين المتبادلة، وأعادت فتح ملف الصراعات الداخلية التي تمزّق الجماعة وتكشف عمق أزمتها الأخلاقية والتنظيمية.
في الثامن عشر من أكتوبر 2025، كتب القيادي الإرهابي محمد الغزلاني عن الرسائل التي تلقاها من الشباب، وتسأل عن النقاشات الحامية التي جرت على جروب “تليجرام” حول الخبر الخاص بـ”سفر أحد أعضاء مجلس إدارة كيان إخواني إلى مصر بوثيقة سفر، ثم عودته إلى دولة الملاذ مرة أخرى”، وقال: “كتبت وجهة نظري في هذا الخبر الصادم، وقد ركزت على الفعل بغض النظر عن الفاعل، حيث يستوي الحكم سواء قام به زيد أو عمرو، فالنظرة الموضوعية المتجردة بعيدًا عن الشخصنة تقتضي التسوية في هذا الفعل بين الكبير والصغير، والقريب والبعيد، والصديق والزميل”.
وأضاف: “فجأة تأتي الأخبار أنه سافر إلى مصر ومكث فترة (لأي سبب كان)، ثم عاد، فإن ذلك الشخص يكون محل شك ويجب التعامل معه بحذر، حتى يكون لنا فيه من الله برهان (دليل قوي)، فيكون خائنًا بيقين أو بريئًا بيقين بالدليل الواضح. وحتى نملك الدليل القوي، إما بالبراءة أو الإدانة، يجب أخذ الحيطة والحذر. (وبكل تأكيد يجب إقالته إذا كان يمثلنا في أي مؤسسة)”.
وفي تعقيبٍ على رسالة الإرهابي محمد الغزلاني، أكد عددٌ من أعضاء جماعة “الإخوان” أن ما جاء في رسائله عن عودة قيادي كبير في كيان إخواني إلى مصر في رحلة سرية، صحيح مائة في المائة. وكشفوا أن القيادي المتهم بالخيانة والعمالة عاد مرة أخرى إلى دولة الملاذ الآمن، وأعلن عن تجميد نشاطه بينهم.
وبالتزامن مع تسريبات الرحلة السرية، كشفت رسائل إخوانية أن قيادة نسائية قدّمت بلاغًا إلى سلطات دولة الملاذ الآمن، تُطالب بترحيل إخواني هارب، لأنه يتنقل داخل الدولة بعد انتهاء إقامته الإنسانية، وكان دافعها الوحيد لهذا البلاغ وجود خلافات شخصية بينهما. كما كشفت الرسائل أن قياديًّا إخوانيًّا كبيرًا، كان مستشارًا للمعزول محمد مرسي، قدّم أيضًا بلاغًا يطالب بترحيل أحد الإخوان الهاربين.
وفي يوم السبت 25 أكتوبر 2025، نشر الإخواني الهارب “ح. م” صورة له أثناء مشاركته في مظاهرة داعمة لما كان يسمى “الشرعية” بإحدى الدول الشقيقة عام 2015، وقال: “كان في واقع يستحق إنك تبذل وتضحي عشانه من غير مقابل، ولازم نقف عند الكلمة دي… (من غير مقابل)، لأنها هي المفتاح. السؤال بقى: مين أوقف كل دا؟ مين حوّل التضحية لسبوبة؟ مين خلانا نستنزف كل أدواتنا ونفقد كل وسيلة كانت في إيدينا؟”.
وأضاف: “لما نقدر نجاوب بصدق على الأسئلة دي، ساعتها بس نكون عرفنا الطريق الصح، والبداية الصح. وللي بيسأل: ليه ما بتشاركش دلوقتي قدام السفارات والقنصليات؟ الإجابة بسيطة: لأني حر، مش تابع لحد، وباستعمل عقلي، وعارف إن لكل وقت أدان”.
وفي منشور آخر يوم الجمعة 24 أكتوبر 2025، كتب الإخواني الهارب عن رحلة انتقاله من دولة إلى أخرى كان يظن أنها المستقر، ثم سعيه لإنقاذ نفسه من المهازل التي اكتشفها بين صفوف الهاربين في تلك الدولة، وقال: “سافرت إلى (…) في الأول من أبريل 2016، وبعد أربعة أيام بالضبط كلمت أخًا عزيزًا وقلت له نصًا: لازم أسيب البلد.وشرحت له كل اللي شايفه عن الوضع وما ستصل له الأمور في السنين الجاية، وقلت له إنه لازم أخرج قبل ما يحصل أي حاجة. ومن يومها وأنا أحاول أطلع… بس ربنا كتب لي أخرج في نص 2022. كنت شايف بعيني اللي هيحصل في السنين الجاية. حتى أقرب الناس لي كانوا بيقولوا عليّ مجنون… لكن ماكنش يهمني أي حاجة غير إني أنقذ نفسي وأساعد اللي شبهنا”.
وأضاف: “في 2018، خدت سلفة من القناة 4000 يورو، أسددها على عشر شهور. كنت بصرف أكتر من ثلث دخلي على محاولات النجاة. سافرت شرق آسيا، مش للسياحة أو المتعة، لكن للتخطيط للخروج من تلك الدولة قبل المأساة، قبل ما ينتهي شهر العسل. عند عودتي سألني مدير القناة وقال: (أنت بتضيع فلوسك، وأهلك أولى بيها. إحنا مستقرين هنا ونخطط لتقنين أوضاعنا). رديت عليه بجملة مش هنساها طول حياتي: (المركب لما تغرق… اللي شبهنا محدش هيبصلهم أو يهتم بيهم)”.
وتابع الإخواني الهارب قائلًا: “محاولاتي كانت كتيره… لحد ما ربنا كتب لي النجاة. وبصراحة، بقول (النجاة) لأن اللي عايشين دلوقتي في تلك الدولة بيعانوا أكتر من المحبوسين في مصر، وأكتر من اللي مطاردين في بلادهم. كنت باحاول أنقذ نفسي وأساعد قدر المستطاع، ووفقني الله، الحمد لله، إني أساعد الكثير في الخروج من هذه الدولة… بس مين اللي لازم يدفع الثمن؟ مين اللي لازم يتحاسب؟ ومين اللي وصلنا للمستنقع ده؟”.
وأعاد الإخواني نشر ما كتبه في الثاني والعشرين من أكتوبر 2021، عن مجموعة الستة في جناح القيادي محمود حسين، ومما جاء فيه:
“مش محتاجين نقول إنها كانت مسؤولة عن تسليم أغلبية الإخوان الأفاضل اللي محكوم عليهم بالإعدام وبمائة سنة، بقصد أو بدون قصد… كمٌّ من الفشل والارتباك على مدار سبع سنوات، وما زالوا يريدون التغيير، وقال إيه؟ متمسكين باللوائح”.
وتتصاعد اتهامات الخيانة والعمالة بين الإرهابيين المصريين بعد إعداد قائمةٍ سريةٍ تضم عددًا ممن تحوم حولهم شبهات التخوين، ويبدو أن هذه الاتهامات سيكون لها أثرٌ كبيرٌ على الانتخابات الداخلية الإخوانية التي يتم الإعداد لها، في ظل معارك كلامية واتهامات لا نهاية لها.
تكشف هذه التسريبات وما تبعها من تراشقٍ بالاتهامات بين قيادات “الإخوان” عن واقعٍ مرير داخل التنظيم الإرهابي، لم يعد يحتمل التستر أو التجميل. فالجماعة التي رفعت يومًا شعارات دينية براقة، غرقت في صراعات المصالح الشخصية والانقسامات الفكرية، حتى باتت الثقة بين عناصرها عملة نادرة. ومع تكرار حوادث التخوين والفضائح المتبادلة، يبدو أن مشروع “الإخوان” في الخارج يترنح تحت وطأة الشكوك والانقسامات، وأن ما تبقى من تنظيمهم لم يعد سوى أطلال لجماعة فقدت بوصلتها وسقطت في مستنقعها الداخلي.








