أميرة الحسن
بقلم – أميرة الحسن
في لحظةٍ تختزل مجد التاريخ ووهج الحاضر، بين ربوع هضاب الجيزة الأثرية حيث تهمس رياح الصحراء بحكايات الأجداد، وتحت أنظار أبي الهول الشامخ الذي يقف حارساً على مجدٍ لا يزول، تُطل مصر بعينٍ جديدة على العالم لتعلن ميلاد صرحٍ حضاري يختزل آلاف السنين في قلب الحاضر. إنه المتحف المصري الكبير، ليس مجرد مبنى يحتضن آثاراً خالدة، بل رسالة سياسية وثقافية متكاملة، تعبر عن دولةٍ عرفت كيف تحول التاريخ إلى مشروعٍ وطني، وتستثمر إرثها العريق في صناعة مستقبلٍ يليق بمكانتها وريادتها. في هذا الفضاء المعماري المهيب تتجلى العبقرية في أبهى صورها، حيث يلتقي الإبداع الإنساني بالخلود الحضاري، وتتحد عبقرية المصري القديم مع روح المصري المعاصر، لتؤكد مصر أنها لا تكتفي بحراسة التاريخ، بل تصنع منه بوصلتها نحو الغد.
تحول الحلم الذي راود الأجيال إلى واقع ملموس رغم كل التحديات، ليصبح المتحف المصري الكبير شاهداً على قدرة الدولة المصرية على تحويل الرؤية إلى إنجاز، والإنجاز إلى رسالة وطنية تحمل توقيع مصر الحديثة. إنه بيان عملي يعلو فوق الخطابات والشعارات، يجسد كفاءة مؤسسات الدولة في إدارة المشاريع العملاقة بروحٍ من الانضباط والتخطيط والوعي بالمسؤولية التاريخية. فالمتحف ليس مشروعاً أثرياً فحسب، بل مؤسسة فكرية ودبلوماسية ناعمة تُعيد صياغة صورة مصر في العالم، وتمنحها حضوراً ثقافياً وسياسياً متجدداً يقوم على القوة الهادئة والتأثير العميق.
إن افتتاح المتحف المصري الكبير يمثل تتويجاً لاستراتيجية دولة أدركت أن قوتها الحقيقية ليست فقط في اقتصادها أو جيشها بل في هويتها الحضارية التي لا تُشترى ولا تُقلد.ففي عالم تتسابق فيه الأمم على التكنولوجيا والسلاح، تختار مصر طريقها الفريد.. .طريق الحضارة والمعنى. فالمتحف المصري الكبير يجمع بين عبقرية العمارة الحديثة وجلال التاريخ القديم، ليصبح نموذجاً فريداً للتكامل بين الأصالة والحداثة، بين الماضي المجيد والمستقبل الواعد.
لقد أثبتت مصر بهذا المشروع العملاق أنها لا تكتفي بأن تكون حارسةً لمجدها القديم، بل صانعةً لمجدٍ جديد.فكل قطعة أثرية داخل المتحف ليست مجرد تراث مادي بل شهادة على استمرارية الروح المصرية وقدرتها على العطاء. ومن خلال هذا الصرح، تبرهن القاهرة أنها تمتلك من الرؤية والقدرة ما يجعلها تقود التنمية بوعيٍ حضاري، يوازن بين البناء المادي وصون الهوية، ويجعل من الثقافة ركيزة أساسية في نهضتها المعاصرة.
فالمتحف الكبير هو شاهد على أن مصر، برغم كل التحديات، ما زالت قادرةً على العطاء وإبهار العالم، ليس فقط بما كانت، بل بما ستكون. إنه النصر الحضاري الذي يُثبت أن من يملك إرثاً عظيماً ويُحسن توظيفه، لا يُهزم أبداً. فتحية لمصر، التي تروي بقلم العزيمة فصول مجدها الخالد، وتنحت بإزميل الإصرار مصيرها المشرف.
لقد بات المتحف المصري الكبير رمزاً لانتصار الإرادة الوطنية في وجه التحديات، ودليلاً على أن مصر، بثقتها بنفسها ووعيها بتاريخها، قادرة على أن تقدم للعالم نموذج الدولة التي تمزج بين الإرث الحضاري والرؤية المستقبلية. إنه تجسيد حي للقوة الناعمة التي تمارسها القاهرة بذكاءٍ سياسي واتزانٍ دبلوماسي، وملتقى حضارياً يجمع الشرق بالغرب، يُعيد وصل ما انقطع بين الثقافات في زمن يحتاج فيه العالم إلى مد جسور التفاهم لا إقامة أسوار العزلة.
وفي الختام، يقف المتحف المصري الكبير لا بوصفه صرحاً أثرياً فحسب، بل كبيانٍ عالمي عن نهضةٍ تتجدد وإرادةٍ لا تعرف الانكسار. من بين أحجار الجيزة التي شهدت مولد الحضارة، تنهض مصر اليوم لتؤكد أنها لا تعيش على أمجاد الماضي، بل تبني مجدها من جديد بعقلٍ يبتكر ويدٍ تُنجز وقلبٍ نابض بالانتماء.
ومن بين جدران هذا الصرح الخالد تُعلن مصر بصوتٍ واثق أن الحضارة ليست ذكرى تُروى، بل فعل يُصنع، وأن من يملك التاريخ ويُحسن قراءته، يملك الحاضر والمستقبل معاً. إنه إنجاز يتجاوز حدود مصر، ونجاح عربي يُضاف إلى سجل الأمة كلها، فكل حجرٍ في هذا الصرح يشهد على أن جذورنا الحضارية واحدة، وأن أمتنا رغم ما تعصف بها من تحديات قادرة على النهوض حين تتوحد الإرادة وتتلاقى الرؤية. فالمتحف المصري الكبير ليس فخراً لمصر وحدها، بل فخر لكل العرب، ورمز لنهضةٍ ثقافيةٍ تعيد للأمة العربية مكانتها بين حضارات العالم.
 
 


 
 







