لم يكن محمود ياسين مجرد نجم وسيم أو رمز للرومانسية فى السينما، بل كان فنانًا واعيًا يدرك أن النجومية الحقيقية تأتى بالتجديد والتحدى، والخروج عن المألوف، لذلك كسر مبكرًا حاجز الأدوار التقليدية التى أحبه الجمهور من خلالها، وقرر أن يخوض مغامرات فنية جريئة والابتعاد عن خانة «فارس الأحلام» إلى منطقة أكثر عمقًا وتنوعًا، ليثبت أنه ممثل جيد يمتلك أدواته، ويستطيع تقديم كل الألوان الدرامية باقتدار.
كانت نقطة التحول الكبرى فى مسيرته عام ١٩٧٨ من خلال فيلم «انتبهوا أيها السادة»، الذى جسد فيه شخصية «عنتر»، عامل النظافة أو «الزبال» كما جاء بالجمل الحوارية للفيلم، والذى يتحول إلى مليونير فاسد يسعى لشراء كل شىء بالمال، حتى الحب، كان الدور صادمًا لجمهوره، وجرأة غير مسبوقة لنجم ارتبط فى أذهان الناس بصورة الفارس النبيل، أثار الفيلم ضجة واسعة وقت عرضه، وتناولت الصحافة الفنية أداءه بكثير من الجدل والنقد، حتى إن البعض نصحه بعدم تكرار هذه التجربة حتى لا يخسر جماهيريته، لكن محمود ياسين لم يتراجع، مؤمنًا بأن الفنان الحقيقى لا يخشى التجديد.
وفى عام ١٩٨٠ قدم واحدة من أروع تجاربه السينمائية فى فيلم «الشريدة» المأخوذ عن رواية للأديب الكبير نجيب محفوظ، وجسد فيه شخصية فتحى السباك البسيط الذى يتزوج من فتاة جامعية حتى تصبح محامية مشهورة، قدم ياسين شخصية تحمل مزيجًا من التناقضات الإنسانية بين الحب والمصلحة، فحقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كبيرًا، ولا يزال حتى اليوم يُعد من أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية.
وقد عبر محمود ياسين عن عشقه لهذا الدور قائلًا: «أغلب أدوارى حالفها النجاح، لكن شيئًا ما يشدنى دائمًا إلى دورى فى الشريدة، لأنه يمثل نموذجًا إنسانيًا مليئًا بالتناقضات، هذه الشخصيات تعتمد على التعبير من الداخل، وهى الأصعب فى الأداء».
وفى العام ذاته، فاجأ محمود ياسين جمهوره مرة أخرى بدور برعى تاجر المخدرات فى فيلم «الباطنية»، حيث غير مظهره بالكامل، وبدل صوته وأسلوب حديثه ليندمج تمامًا فى الشخصية، فنال عنه جائزة أفضل ممثل. ثم قدم فى فيلم «وقيدت ضد مجهول» (١٩٨١) شخصية صابر الفلاح البسيط سليم النية، فى تجربة جديدة تؤكد تنوعه الفنى، وفى ١٩٨٣ جسد شخصية سيد العربجى فى فيلم «العربجى» مع شويكار ومعالى زايد ويونس شلبى، ليواصل رحلة التحدى والتغيير.
وفى فيلم «امرأة مطلقة» (١٩٨٦)، قدم دور الزوج القاسى فتحى الذى يتنكر لزوجته ويستولى على ممتلكاتها، مجسدًا نموذجًا مؤلمًا للشر الإنسانى، أما فى «رجل ضد القانون» (١٩٨٨)، فكان المعلم فرج الفرماوى المقاول الفاسد الخارج من السجن، الذى يعود إلى الإجرام والفساد دون ندم، فى أداء قوى نال إعجاب النقاد، ليثبت أنه فنان شامل لا يقتصر على تقديم نمط واحد، بل يبحث دائمًا عن التجديد والتغيير والخروج من «المنطقة الآمنة».
عاشق الفصحى.. محب للغة العربية وصاحب «صوت رخيم» فى الأداء بها
ثار جدل واسع فى الآونة الأخيرة حول مدى قدرة الفنانين المصريين على إتقان اللغة العربية الفصحى، خاصة فى الأعمال التاريخية والدينية، حينها ارتفعت الأصوات التى تدافع عن الفنانين المصريين الذين أبدعوا فى الأداء بالعربية الفصحى، مستشهدين بأسماء كبيرة تركت بصمتها فى هذا المجال، وكان الراحل محمود ياسين فى مقدمتهم.
عُرف محمود ياسين بشغفه الكبير باللغة العربية، وبإتقانه الشديد لأدائها نطقًا وإحساسًا، حتى أصبح أحد أبرز من جسدوا الأدوار التاريخية والدينية على الشاشة المصرية والعربية، لم يكن مجرد ممثل متقن لأدواره، بل كان قارئًا عاشقًا للغة، وصاحب صوت رخيم مميز أضفى على كلماته قوةً وجمالًا جعلته الخيار الأول فى كثير من الأعمال والاحتفالات الرسمية.
وشارك محمود ياسين فى عدد كبير من المسلسلات التاريخية والدينية التى تطلبت أداءً لغويًا دقيقا، كما قدم بصوته مشاركات مؤثرة فى احتفالات الدولة الوطنية والدينية، وسجل العديد من القصائد الشعرية التى لا تزال محفورة فى ذاكرة الجمهور، ومن أشهر ما ألقاه قصيدة «أتعرف ما معنى الكلمة؟» للشاعر والأديب عبدالرحمن الشرقاوى، والتى ارتبطت باسمه بعدما قدّمها بصوت مؤثر زادها قوة وانتشارًا، كما شارك فى احتفالات الليلة المحمدية بإلقاء قصائد دينية فى حب الرسول، وحققت نجاحًا كبيرًا، حتى أصبحت هذه الليالى من أبرز الاحتفالات السنوية التى ينتظرها الجمهور.
ولم يقتصر إبداعه على القصائد الدينية، فقد سجل محمود ياسين أيضًا عددًا من القصائد العاطفية بصوته، منها قصيدة «لوعة الحب» من ديوان أحبك، وقصيدة «يا ناعمًا رقدت جفونه» للشاعر أحمد شوقى، التى شاركته إلقاءها الفنانة فاتن حمامة، بالإضافة إلى قصيدة «عيناك» للشاعر نزار قبانى.
وعلى خشبة المسرح، قدّم محمود ياسين أعمالًا كثيرة باللغة العربية الفصحى ضمن مسرح الدولة، وتميز بدقته اللغوية، لدرجة أنه لم يكن بحاجة إلى مصحح لغوى أثناء التصوير، بل كان هو مرجعًا لغويًا لزملائه فى العمل، وأيضًا صوته الخالد فى مقدمة ونهاية فيلم «الرسالة».
وفى أحد حواراته الصحفية، كشف الراحل محمود ياسين عن سر ارتباطه باللغة العربية، مؤكدًا أن الفضل يعود إلى مكتبة شقيقه الأكبر التى كانت تزخر بكتب كبار الأدباء والمفكرين فى مصر والعالم العربى، وهو ما غذى شغفه بالقراءة وأسهم فى صقل موهبته وصوته وثقافته اللغوية.
الفنان الحقيقى لا يكتفى بالظهور أمام الكاميرا.. نجم ومنتج فتح أبواب الشهرة لجيل جديد
فى السبعينيات والثمانينيات كان الفنان محمود ياسين يتصدر شباك التذاكر، وملأت أعماله الفنية المتعددة الشاشات، وعلى الرغم من ذلك كان لديه شعور بالمسؤولية تجاه صناعة السينما، قرر أن يخوض تجربة مختلفة، من خلال إنتاج الأفلام وليس فقط المشاركة فيها.
كان «ياسين» يدرك أن الفنان الحقيقى لا يكتفى بالظهور أمام الكاميرا، بل يجب أن يشارك فى بناء المحتوى وصياغة المشهد السينمائى من الداخل، لذلك أسس خطًا إنتاجيًا اختار من خلاله أعمالًا تحمل قيمة فنية وإنسانية، فقدم مجموعة من الأفلام المنتقاة بعناية، من أبرزها: أنا وابنتى والحب (١٩٧٤)، ضاع العمر يا ولدى (١٩٧٨)، رحلة النسيان (١٩٧٨)، مع تحياتى لأستاذى العزيز (١٩٨١)، رحلة الشقاء والحب (١٩٨٢)، الجلسة سرية (١٩٨٦)، قشر البندق (١٩٩٥).
وشكل فيلم «قشر البندق» علامة فارقة فى مسيرته الإنتاجية، إذ فتح أبواب الشهرة والنجومية أمام جيل جديد من ممثلى الألفية، وأثبت أن محمود ياسين لا يكتفى بالاحتفاء بماضيه، بل يسعى أيضًا لدعم مستقبل السينما المصرية.
ورغم أنه كان فتى الشاشة الأول الذى يقدم فى بعض الأعوام أكثر من ١٠ أفلام كبطل مطلق، إلا أنه أصر على خوض تجربة الإنتاج، إيمانًا منه بأن المشاركة فى الصناعة مسؤولية وطنية وفنية، وأراد أن يترك بصمة مختلفة، لا تقتصر على الأداء أمام الكاميرا، بل تمتد إلى أبعد من ذلك.
١٩٦٨
أول ظهور له فى السينما بفيلم «القضية ٨٦».
٢٥٠
عملًا فنيًا قدمها خلال مسيرته، منها ١٥٠ فيلمًا، و٥٠ مسلسلًا، و٢٠ مسرحية.
٥٠
جائزة حصل عليها خلال مسيرته.
١٤
عملًا قدمها الراحل مع زوجته الفنانة المعتزلة شهيرة.
١٠
أعمال تولى إنتاجها، وبعضها قدم خلالها مواهب جديدة.
٨
أفلام عن حرب أكتوبر وانتصاراته قدمها طوال مسيرته.
٢٠١٢
آخر عمل قدمه فيلم «جدو حبيبى» مع بشرى.