قصة «شاب السلام» ضحية كمين شرطة مُزيف.. انتهت رحلته بسقوط غامض من الدور الخامس (معايشة)

قصة «شاب السلام» ضحية كمين شرطة مُزيف.. انتهت رحلته بسقوط غامض من الدور الخامس (معايشة)


في صباحٍ بدا عاديًا تمامًا في منطقة السلام بالقاهرة، كان «صلاح» ما زال داخل بيته مع زوجته حين طرق بابه 3 رجالٍ ينتحلون صفة ضباط شرطة، لم يكن يتوقع أن يُساق أمام المارة بتلك الطريقة، ولا أن تكون تلك آخر مرة يُرى فيها حيًا، دقائق معدودة كانت كفيلة بتحويل شابٍ في الـ 22 من عمره إلى جثة هامدة، بعد أن اقتاده هؤلاء الرجال إلى شقة أحدهم في منطقة «إسيبكو» حيث تعرض للضرب والتعذيب قبل أن يُلقى من الطابق الـ 5.

ما بين لحظة اقتياده من منزله في الـ 8 صباحًا، ووصوله إلى مستشفى السلام بعد ساعتين إلا ربع، لم تعرف أسرته شيئًا عن مصيره، وعندما جاءت الشرطة الحقيقية إلى البيت مساءً تستدعي زوجته، ظنّ الجميع في البداية أن الأمر إجراء روتيني أو استدعاء بسيط، لكن الصدمة كانت قاسية حين تبيّن أن «صلاح» قد قٌتل، وأن الـ 3 الذين حضروا صباحًا لم يكونوا ضباطًا بل جناة.

«ابني اتخطف الصبح، وراح المستشفى جثة بعد ساعتين إلا ربع»، يقول إبراهيم صلاح، والد الشاب العشرينى بصوت متعب، يحاول أن يخفي ارتجاف يده وهو يعرض صورة لابنه على هاتفه، ويضيف خلال حديثه لـ«المصرى اليوم»: «البداية كانت بأن 3 أشخاص انتحلوا صفة ضباط وخدوه من البيت قدام الناس، والناس افتكرتهم شرطة حقيقية، وبعدها بساعات الشرطة الحقيقية هي اللي جات لنا وطلبت استدعاء زوجته».

كانت الساعة تقترب من الـ 5 مساءً حين طرقت الشرطة باب بيت «صلاح» لتستدعي زوجته إلى القسم، لم يخطر ببال الأب أو العائلة أن ابنه قد فارق الحياة: «افتكرنا إن مراته يمكن ضامناه في حاجة، أو فيه مشكلة بسيطة، لكن لما رحنا عرفنا إن (صلاح) مات… مات من غير ما نعرف ليه ولا إزاي»، يقول الأب الذي قضى تلك الليلة في ممرات المستشفى مذعورًا، قبل أن يُمنع من رؤية جثمان ابنه بحجة استكمال الإجراءات القانونية.

قصة شاب السلام الذي قُتل بسبب صفقة سيارة مستعملة

ويتابع بصوت يغلب عليه الغضب: «قالولي لازم تروح القسم الأول تشوف المحضر، وبعدها النيابة العامة، روحت الصبح على النيابة عشان أخد تصريح دفن ابنى كل ده وأنا مش فاهم ليه ابني اتقتل ولا إيه اللي حصل بالضبط».

بحسب روايته، استمرت التحقيقات لأيام، أُخلي سبيل سيدتين كانتا شاهِدتين على الواقعة، بينما قررت النيابة حبس الـ 3 منتحلى صفة الشرطة 4 أيام على ذمة التحقيق: «لكن كل شوية كانت تطلع رواية جديدة»، يقول «إبراهيم»: «الجيران قالولي إن الناس اللي خطفوه كانوا بيسألوا عنه قبلها بيومين، وإن واحد منهم اسمه (أحمد) معروف في المنطقة بالبلطجة».

كان «صلاح» شابًا هادئًا، يعمل فني تبريد وتكييف، متزوج منذ عام وشهرين فقط، لم يعرف عنه أحد أنه تشاجر مع أحد أو دخل في مشكلات، يقول والده: «ابني كان طيب، همه شغله وبيته، لما سمعت إن (أحمد) ده هو اللي ورا الجريمة ومعاه اتنين كمان، ساعتها ما استوعبتش… ابني يعرف بلطجي ليه؟».

والد ضحية «جريمة السلام» يتحدث عن اكتشافه لإنهاء حياته ابنه وإلقاء جثمانه من الطابق الـ 5- تصوير: محمد القماش

تبدأ خيوط القصة، كما يروي الأب، من صفقة سيارة صغيرة أراد «صلاح» شرائها من المتهم الرئيسي «أحمد».. كانت السيارة مستعملة، لا يتجاوز ثمنها 50 ألف جنيه: «ابني قال لي يا بابا لقيت عربية بسيطة وعايز أجربها، قلت له جربها يومين، ولو كويسة نكمل، بعد ما شافها، قلت له حالتها سيئة جدًا، وطلبت منه يرجعها وياخد فلوسه».

لكن الأمور لم تسر على هذا النحو، كان صاحب الـ 22 عامًا، قد دفع 10 آلاف جنيه كعربون، وحين قرر التراجع، عرض عليه «أحمد» أن يعيد 7 آلاف فقط بحجة أنه استخدم السيارة يومين: «وقتها قلنا خلاص مش مشكلة.. محدش كان متخيل إن الموضوع ممكن يوصل لجريمة قتل»، يضيف الأب.

وبحسب رواية أسرة المجنى عليه، لم تمر أيام حتى بدأ «أحمد» في الاتصال المتكرر بـ«صلاح»، ثم في صباح الخميس الماضى، ذهب بنفسه مع اثنين آخرين إلى بيته: «كتفوه، وضربوه، وبعدها خدوه على شقته هو في الدور الـ 5 بمنطقة إسيبكو، وهناك عذبوه ورموه من البلكونة، لما جثته وقعت في الشارع، ست شالته على المستشفى والتانية كانت شاهدة على اللي حصل»، يقول الأب وهو ينظر إلى صورة ابنه بابتسامة حزينة.

«كل ده عشان عربية بـ 50 ألف؟» يسأل بصوت يختنق، قبل أن يتابع: «لسه مش عارف ليه عملوا فيه كده.. يمكن الموضوع فيه فلوس، يمكن حاجة تانية.. لكن في النهاية (صلاح) راح، واللي عملوا كده لسه التحقيق معاهم شغال».

على الجانب الآخر، تحكي «ميرنا» شقيقة صلاح ما حدث من زاويتها: «كنت في البيت لما جتلي مكالمة من مرات أخويا بتعيط، قالتلي الحكومة خدت (صلاح) من البيت، استغربت، بس بعدها عرفنا إنهم مش شرطة أصلًا، دول (أحمد) واثنين معاه».

تروي «ميرنا» أن أول خيط حقيقي قاد الأسرة إلى الحقيقة جاء من كاميرات المراقبة في الشارع، التي سجلت لحظة خروج المتهمين من بيت «صلاح»: «الشرطة اشتغلت بسرعة، فحصوا الكاميرات، وتابعوا خط سير العربية لحد ما وصلوا للمتهم الأول (أحمد)»، وتضيف: «مرات أخويا لما شافت الصور في القسم، قالت ده هو، (أحمد) اللي كان عايز يبيع له العربية».

التحقيقات في مقتل فني التكييف بالسلام

في مساء نفس اليوم، اكتشفت الزوجة أمرًا غريبًا على تطبيق «واتساب»، تقول «ميرنا»: «مراته كانت بتكلمه عالواتساب، بس الكلام كان غريب، مش طريقته، ولا أسلوبه، اكتشفت إن اللي بيرد مش هو، ده (أحمد) اللي كان ماسك الموبايل، وقالها صراحة حولي 10 آلاف جنيه علشان تاخدي (صلاح)»، وتحكى أنه حين وصلت الرسالة، أدركت الزوجة أن زوجها في خطر، بعد ساعات، عُثر على جثته ملقاة في الشارع، مضرجة بالدماء، وعلى جسده آثار تعذيب واضحة.

تقول شقيقة المجنى عليه، بصوت متماسك رغم الألم: «الست اللي شافته واقع في الشارع حكت إنها نزلت تشوف إيه اللي حصل، لقت شاب غرقان في دمه، حاولت تنقذه وودته على مستشفى السلام، وهناك اكتشفوا إنه ميت»، وتضيف: «لما الشرطة حققت مع (أحمد)، اعترف إنه ضربه ورماه من البلكونة، وقال إن فيه اتنين كانوا معاه وساعدوه».

والد المجني عليه وشقيقته «ميرنا» أثناء حديثهما عن تفاصيل القضية- تصوير: محمد القماش

وتشير تحقيقات النيابة العامة إلى أن المتهمين الـ 3 احتجزوا «صلاح» داخل شقة أحدهم قبل أن يعتدوا عليه بالضرب: «اتنين منهم اعترفوا إن (أحمد) هو اللي بدأ، وهو اللي أمرهم يربطوه، وبعد كده حصل اللي حصل»، تتابع «ميرنا»: «إحنا مش طالبين غير حقه.. (صلاح) كان لسه في أول حياته، شاب بيحلم يعيش بكرامة.. خدوه من بيته في عز النهار، محدش وقفهم ولا سألهم هما مين»، تقول الأخت بنبرة قهر: «أخويا اتقتل غدر، مش عايزين غير نعرف ليه».







Exit mobile version