التوك شو والحوادث

«قال للمسعف كنت عايز أموته».. قصة الاعتداء على بائع مجمدات في أكتوبر بسبب خلاف شراكة


لم يتخيل ناجي عبدالعزيز سليمان، أن رحلة بحثه عن رزق بسيط في مدينة 6 أكتوبر ستنتهي فوق سرير مستشفى، محاطًا بأجهزة تثبيت العظام، يتلمّس بيدٍ مشلولة آثار ساطورٍ كاد ينهي حياته، إثر اعتداء شريكه بمحل مجمدات، بعد خلاف بينهما، يقول بصوتٍ واهن من فراشه: «ما كنتش مصدّق إن الخلاف هيوصل لكده.. كنت فاكرها مشكلة شغل، طلعت مسألة حياة أو موت».

من قرية البرادعة في القليوبية جاء «ناجي» إلى ميدان الحصري بـ 6 أكتوبر، باحثًا عن فرصة أفضل. استأجر محلًا صغيرًا للمجمدات، وجلب معه شريكًا من معارفه يُدعى «محمد»، كانت الشراكة قصيرة العمر، 3 أشهر فقط، لكنها كانت كافية لتفجير نزاعٍ انتهى بدماء وتهديدات ومحاضر.

في البداية، كما يروي «ناجي» لـ«المصرى اليوم»: «كانت الدنيا ماشية، نشتري ونبيع ونقسم الربح.. بعدين بدأت مراته تدخل في الشغل، كانت بتعمل ممبار وكفتة في البيت وتوردها لنا، لكني اكتشفت إنها بتزوّد في التكلفة وبتضحك عليّا».. الخلاف التجاري سرعان ما اتخذ طابعًا شخصيًا، ومعه تصاعد التوتر بين الشريكين.

انعقدت جلسة عرفية بين الطرفين في القرية، وانتهت إلى قرار بفض الشراكة، مع أحقية «ناجي»، 40 عامًا، في الاستمرار بالمحل مقابل دفع مستحقات شريكه: «وافقت وقلت خلاص، عايز أخلص.. دفعتله اللي اتفقنا عليه، وقلت لنفسي الأرزاق على الله، لكن قرار اللجنة العرفية لم يكن نهاية الخلاف».

يقول الرجل الأربيعنى، إن شريكه رفض تنفيذ الاتفاق، وأصرّ على الاستيلاء على المحل: «كان بيقولي: أنا اللي هاخد المكان، وانت سيبه وتمشي»، اضطرّ «ناجى» للابتعاد، واستأجر محلًا آخر على مقربة من المكان القديم، ظنًّا منه أن المسألة انتهت: «لكن كل يوم كان يهددني.. يقول لي: هدبحك لو فتحت تاني».

ضحية جريمة الحصري يروي كيف نجا من الموت بعد هجوم بالساطور

حتى في قريته بالقليوبية، لم تتوقف المناوشات: «روحت البلد، لقيت مراته جاية عليا، بصقت في وشي وقالتلي: (أنت الحرامي مش أنا.. قلتلها كفاية خلاص، كل واحد في حاله)».. لم يكن يعلم أن تلك المواجهة البسيطة ستكون مقدمةً لليلة دامية بعد أسابيع قليلة.

«يوم الحادث كنت قاعد لوحدي في المحل الجديد اللى بوضبه لسة، الساعة كانت بعد نص الليل بشوية.. فجأة الباب اتفتح، ودخل (محمد) ماسك ساطور».. لم يترك له الوقت حتى ليستوعب ما يحدث: «ضربة واحدة على دماغي، رفعت إيدي الشمال علشان أحوش، اتقطعت.. دراعي بقى ماسك في جلدة».

يحاول «ناجي» أن يستعيد المشهد وكأنه يعيد فيلمًا بطيئًا، يتوقف عند كل ثانية: «وقعت على الأرض، حاولت أجري، زقيت المكتب اللي قدامي علشان أهرب، بس وقع عليّا، وهو فضل ينزل فيّ ضرب.. كنت حاسس إن جسمي بيتكسر حتة حتة».

خلاف على محل مجمدات يتحول إلى جريمة في 6 أكتوبر

17 ضربة متفرقة، في اليدين والساقين والظهر والكتف، بحسب التقرير الطبي.. الدم غطّى أرض المحل الصغير، يقول «ناجي»: «كنت سامع صوت نفسي وأنا بصرخ، بس مفيش حدّ سمعني.. الشارع كان فاضي».

حين وصلت سيارة الإسعاف بعد بلاغٍ من أحد السكان، كان المهاجم ما يزال واقفًا عند الباب، تقول زوجة المجنى عليه، إن أحد المسعفين أخبرها لاحقًا بما قاله المتهم أثناء نقل زوجها: «قال للمسعف: هو لسه فيه الروح؟ أنا كنت عايز أموته».

تلك الجملة، كما تروي زوجة «ناجى»، «خلت قلبي يقع»، وتضيف وهي جواره في المستشفى: «جوزي هو العائل الوحيد.. عندنا 4 عيال، أكبرهم في أولى إعدادي، وأصغرهم أربع سنين.. لما شُفته ما عرفتهوش من كتر ما هو متقطع».

التحريات الأولية التي أجرتها أجهزة الأمن عقب تحرير محضر بالواقعة، والقبض على المتهم، بينت أن «ناجي» سبق وحرر محضرًا بعدم التعرض ضد المتهم، بعد سلسلة من التهديدات التي تلقاها، لكنه لم يتخيل أن تلك التهديدات ستتحول إلى هجوم فعلي.. «كنت كل شوية ألاقي ابنه معدي من قدام المحل، أو مراته جاية مخصوص من القليوبية لأكتوبر.. كنت حاسس إن في حاجة بتتحضّر».

في المستشفى، يروي «ناجي» تفاصيل الألم اليومي: «ركبولي أجهزة في رجلي علشان العضم يرجع مكانه، وشرائح في الركبة، ودراعي كله مسامير».. يضحك بمرارة ويقول: «كنت ببيع فراخ وأسماك، النهارده بقيت أنا اللي متخيط».

التهديد لم يكن مقتصرًا على الفاعل نفسه، بحسب ما يرويه «ناجي»، أخو المتهم قال له أكثر من مرة: «محمود (يقصد شقيق المتهم) قالي إنه بينقل أملاكه لابنه عشان هيموتك».. كانت كلمات بدت له وقتها مبالغًا فيها، لكنه يراها نبوءة نفذت بحذافيرها، وفق قوله.

يقول المجنى عليه: «كل اللي بفكر فيه دلوقتي إزاي أرجع أشتغل، إزاي أربي عيالي.. الشغل اللي كان رزقي بقى هو اللي قطعني»، فيما تجلس زوجته إلى جوار السرير الأبيض، تمسك يده التي لم تعد تتحرك كما كانت، وتقول: «جوزى طيب، بيقول لهم دايمًا خلينا في حالنا، بس هما ما سبوش حاله.. في البلد حاولوا يعتدوا عليه قبل كده، والحمد لله ربنا ستر.. المرة دي ربنا نجّاه بالعافية»، ليرد عليها: «كنت فاكر القعدة العرفية خلصت كل حاجة.. بس الظلم ما بيخلصش».







Leave A Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Related Posts