وقال مصدر مسؤول بهيئة الدواء المصرية، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “الهيئة أقرت مؤخرا مجموعة من الإجراءات لترشيد استهلاك المضادات الحيوية، على رأسها حظر تداول المضادات الحيوية من مجموعة الاحتياطي في شكل “الحقن” إلا في المستشفيات فقط، على أن يتم صرفها في شكل “أقراص” من الصيدليات وبروشتة طبية معتمدة من الطبيب المعالج”.
ويُقصد بالمضادات الحيوية من مجموعة “الاحتياطي” تلك الفئات الدوائية التي يُحظر استخدامها إلا في علاج العدوى المؤكدة أو المشتبه بها الناجمة عن بكتيريا مقاومة لعدة أنواع من المضادات الحيوية، وتشمل 11 صنفا في قرار هيئة الدواء.
وأشار إلى أن “الجهات الصحية تتعاون فيما بينها لتطبيق الاستراتيجية الوطنية لترشيد استخدام المضادات الحيوية، خاصة في ظل الممارسات التي تمثل خطرا حقيقيا على الصحة العامة، وتسهم بشكل مباشر في تنامي مقاومة البكتيريا للأدوية، وهو ما بات أحد أبرز التحديات التي تواجه المنظومة الصحية في مصر“.
ووفق البيانات الرسمية، تستحوذ المضادات الحيوية على نحو 11 بالمئة من إجمالي مبيعات الدواء السنوية في مصر، وبالتالي تُعد من الدول ذات المعدلات الأعلى في الاستهلاك، وهي نسبة وصفها المصدر المسؤول بأنها “مرتفعة للغاية وتعكس حجم الاعتماد المفرط على هذا النوع من الأدوية في علاج أمراض لا تستدعي استخدامه بالضرورة”.
غير أن ما يثير القلق، وفقا لما تشير إليه الدراسات الميدانية في مصر، هو أن نحو 55 بالمئة من المضادات الحيوية المتداولة في السوق تُستخدم دون وصفة طبية، ما يؤدي مع مرور الوقت إلى تراجع فاعليتها، وارتفاع معدلات الوفيات الناتجة عن فشل العلاج بسبب تنامي مقاومة البكتيريا للعقاقير المتاحة.
واستهلك المصريون 216 مليون عبوة من المضادات الحيوية خلال تسعة أشهر فقط من العام الماضي، بتكلفة تجاوزت 13.9 مليار جنيه، وهو ما يعكس أزمة في ثقافة استخدام تلك الأدوية، بحسب شعبة الأدوية.
إجراءات “تصحيحية لازمة”
بدوره، يرى رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة المصرية، ثروت حجاج، أن “قرار تقييد صرف بعض فئات المضادات الحيوية يتضمن بعدين أساسيين؛ أولهما العلمي، والثاني التطبيقي، والأزمة بدأت منذ سنوات، حين تم السماح بطرح بعض المضادات الحيوية من الجيل الرابع في السوق، بدلاً من قصرها على المستشفيات فقط كما كان ينبغي أن يحدث منذ البداية”.
وأوضح حجاج في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “دخول هذه الأدوية إلى السوق التجاري فتح الباب أمام شركات الدواء لتسويقها بقوة عبر حملات دعائية مكثفة، بعدما حققت نتائج علاجية سريعة وأسعارا مرتفعة جذبت اهتمام الأطباء والمستهلكين على حد سواء، ما جعلها تحقق مبيعات ضخمة على حساب المعايير العلمية في وصف العلاج”.
وأوضح رئيس لجنة الصيدليات أن “هناك الكثير من الأخطاء التي تقع من بعض المختصين، فكثير من الأطباء يصفون المضادات الحيوية من الأجيال الحديثة في حالات كان يكفي فيها استخدام أنواع أبسط من الجيل الأول أو الثاني، وهو ما يشبه استخدام مدفع ثقيل لصيد عصفور صغير”.
وأشار إلى أن “قرارات تقييد صرف بعض المضادات داخل المستشفيات خطوة مهمة، لكنها ليست كافية وحدها، لأن إغلاق منافذ البيع لا يضمن وقف التسرب إلى السوق السوداء”، محذرًا من احتمال تسويق هذه الأدوية لاحقًا خارج الإطار الرسمي عبر المستشفيات نفسها، وبالتالي فالحل الحقيقي يكمن في ضبط ثقافة الوصف الطبي، وليس فقط في تقييد أماكن الصرف.
وفيما يتعلق بحجم استهلاك المضادات الحيوية في مصر، أكد حجاج أن المسكنات والمضادات الحيوية تمثلان معًا أكبر شريحتين في سوق الدواء المحلي من حيث المبيعات.
مخاطر.. وأضرار
وقال حجاج، إن “الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية يمثل خطراً صحياً حقيقياً لا يقتصر على المريض فقط، بل يمتد تأثيره إلى المجتمع بأكمله، خاصة أن الإفراط في تناول هذه الأدوية أو استخدامها دون تشخيص دقيق يؤدي إلى تطور مقاومة البكتيريا للمضادات، وهو ما يجعل علاج العدوى بعد ذلك أكثر صعوبة، ويرفع معدلات الوفيات الناتجة عن فشل العلاج”.
وشدد على أن “المضادات الحيوية لا تُستخدم لعلاج العدوى الفيروسية مثل نزلات البرد أو الإنفلونزا، لأن هذه الأمراض لا تتأثر بالمضادات أصلاً، إذ يعتمد الشفاء فيها على قوة جهاز المناعة وليس على الأدوية البكتيرية، لكن هناك الكثير من الأطباء الذين يصفون مضادات حيوية للمرضى المصابين بالإنفلونزا، أو يذهب المريض لشرائها دون وصفة طبية”.
كما ذكر استشاري الحساسية والمناعة، أمجد الحداد، أن “الإفراط في تناول المضادات الحيوية دون داعٍ طبي يمثل خطرا حقيقيا على الصحة العامة، إذ يؤدي إلى تكوين سلالات من البكتيريا المقاومة للعلاج، بحيث يصبح المريض في المستقبل غير مستجيب للمضادات الحيوية المتاحة، مما يصعب من السيطرة على العدوى ويزيد من معدلات الفشل العلاجي”.
وأوضح الحداد أن “الاستخدام غير المبرر لتلك الأدوية لا يقتصر ضرره على البكتيريا الضارة فحسب، بل يمتد ليقضي على البكتيريا النافعة داخل الجسم، ما يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة وجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض”.
وأشار الحداد إلى أن “الطبيب قد يوصي بالمضاد الحيوي فقط في حالات الاشتباه بعدوى مزدوجة بكتيرية وفيروسية، أما في العدوى الفيروسية البحتة مثل نزلات البرد أو الإنفلونزا، فلا فائدة من استخدام المضادات الحيوية، لأن جهاز المناعة هو القادر على التغلب عليها دون الحاجة إلى تدخل دوائي من هذا النوع”.
كما أكدت هيئة الدواء المصرية أن إعطاء المضادات الحيوية للأطفال بدون إشراف الطبيب قد يعرضهم لآثار جانبية تتسبب في حدوث اضطرابات فى الجهاز الهضمى مثل: الاسهال والالتهابات الجلدية، حيث أن المضادات الحيوية تقضي على البكتيريا النافعة في القناة الهضمية.
