لم تكن مجرد لحظة عابرة حين مررت اليوم أمام الطريق المؤدي إلى المتحف المصري الكبير، فرأيت ما لم تره عيناي من قبل استعدادات مهيبة، تنظيم مبهر، وملامح عظمة تُجسد روح مصر الخالدة وهي تستعد لاستقبال زوارها من كل بقاع الأرض.
تملّكني شعور لا يوصف، وقشعر بدني من الفخر، وقلت لنفسي: «ما أعظم أن أكون مصرية».
وفي تلك اللحظة، عاد بي الزمن إلى أحد أكثر الفصول ألمًا في حياتي، إلى عامٍ أسود حين اختُطفت مصر على يد جماعة الإخوان الإرهابية. كنت يومها أجلس مع صديقتين لي في مكان عريق كنا نجتمع فيه دائما تشهد جدرانه علي تلك الواقعة، كنا ثلاث فتيات يجلسن بين الخوف والوجع، نرى وطننا يُسرق أمام أعيننا. وفجأة، كشفت لنا الصديقة الثالثة وجهها الحقيقي بابتسامة شماتة وقالت: «جالكم اللي يربيكم».
كلماتها كانت خنجرًا، لم تجرحني فقط، بل جرحت كل وطني شريف يعشق تراب وطنة حينها أدركت أن الخيانة ليست بندقية، بل فكرة مريضة في عقل من باع وطنه. ومن يومها، أغلقت الباب خلفها إلى الأبد.
واليوم، وبعد أكثر من عقد من الزمان، وأنا أسير بجوار المتحف المصري الكبير، أيقنت أن التاريخ عاد لينصفنا.
أقولها من قلبي غداً الموافق السبت 1 نوفمبر 2025 سيكون الصفعة الثانية على وجه كل من أراد إسقاط هذه البلاد، بعد الصفعة الأولى في قمة شرم الشيخ التي أعادت لمصر مكانتها الدبلوماسية والسياسية في قلب العالم.
من مشروع متعثر إلى معجزة وطنية
لم يكن طريق المتحف المصري الكبير مفروشًا بالورود، بل كان مليئًا بالتحديات التي كادت أن توقف الحلم تمامًا.
منذ أن بدأ المشروع في عام 2002، ظلّ يسير بخطى بطيئة، حتى وصلت نسبة التنفيذ في عام 2016 إلى 16% فقط، وسط تعثر إداري وتمويل محدود ورؤية ضبابية للمستقبل.
لكن القدر أراد أن تُكتب لهذا المشروع حياة جديدة حين تدخّل الرئيس عبد الفتاح السيسي بحسم ورؤية بعيدة المدى، ليحول هذا الحلم الذي كان يوشك على التوقف إلى ملحمة بناء وطنية حقيقية.
فبتوجيهاته، تم توفير التمويل اللازم، وتذليل كل العقبات، وتسخير كل إمكانيات الدولة من أجل أن يخرج المتحف إلى النور في أبهى صورة، ليصبح اليوم أكبر متحف أثري في العالم.
وتحول المشروع من مجرد مبنى إلى قصة كفاح وطن، تجتمع فيها العزيمة الهندسية والإرادة السياسية والروح المصرية التي لا تعرف المستحيل، فها هو المتحف يقف شامخًا على هضبة الجيزة، على بُعد خطوات من الأهرامات الخالدة، وكأنه امتداد طبيعي لتاريخ مصر الممتد منذ آلاف السنين.
وتتجه أنظار العالم الآن نحو القاهرة، مترقبة الحدث الثقافي الأكبر في القرن الحادي والعشرين: الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير (Grand Egyptian Museum) في 1 نوفمبر 2025، بحضور قادة وزعماء العالم وكبار الشخصيات من مختلف القارات، في احتفالية يُتوقع أن تكون حديث كل وسائل الإعلام الدولية.
تحفة معمارية تربط الماضي بالمستقبل
وفي سياق المقالة وصفت شبكة يورونيوز تصميم المتحف بأنه “جريء وملهم”، إذ يجسد بعبقرية معمارية مزيجًا نادرًا بين عظمة التاريخ الفرعوني وجرأة الحداثة المعاصرة.
فالتصميم الذي تهيمن عليه الأشكال الهرمية والمثلثة هو تحية معمارية للحضارة المصرية القديمة، بينما يرمز استخدام الخرسانة المسلحة والمواد البيئية المتطورة إلى التوجه نحو مستقبلٍ أكثر استدامة.
المتحف لا يكتفي بعرض الكنوز الفرعونية فحسب، بل يضم أكبر مركز حفظ وبحث أثري في العالم، ما يجعله ليس مجرد صرح للعرض، بل منارة علمية وثقافية تربط بين الماضي والمستقبل.
حتى الموقع الذي أُقيم عليه المتحف يحمل رمزية نادرة، فهو يقف على هضبة النيل الصحراوية، على بُعد مئات الأمتار من الأهرامات، وكأن الزمن كله اجتمع في نقطة واحدة ليُعيد سرد قصة الإنسانية من بدايتها.
زاهي حواس: أعظم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين
جدير بالذكر يقول عالم الآثار الكبير الدكتور زاهي حواس إن المتحف المصري الكبير هو أعظم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، موضحًا أنه “أكبر من متحف اللوفر الفرنسي بثلاثة أو أربعة أضعاف”، ويُقام على مساحة 117 فدانًا، في مشهد معماري يخطف أنظار العالم.
ويضيف حواس أن العالم كله ينتظر لحظة الافتتاح الرسمي، مؤكدًا أن المتحف سيحدث نهضة غير مسبوقة في قطاع السياحة المصري، لكنه عبّر في الوقت ذاته عن أمله في زيادة عدد الفنادق القريبة من الأهرامات لاستيعاب الأعداد الهائلة من الزوار المتوقعين.
إنه ليس مجرد متحف، بل تجربة استثنائية ستُعيد تعريف معنى السياحة الثقافية في مصر والعالم.
مصر الرسالة التي لا تموت
وأنا أسير مع أبنائي اليوم، نظرت إلى ابنتي التي كبرت وقلت لها: “من 12 سنة، كنتي صغيرة، وكنت خايفة علي بلدي وكنت خايفة عليكوا انتي واخوكي ولكن كنت واثقة أن مصر لن تُكسر. واليوم، شوفي يا بنتي، مصر رجعت أقوى من أي وقت وانا أصبحت الآن مطمئنة عليكم يافلذات قلبي لأنكم اصبحتوا في بلد الأمن والأمان
اليوم لا نحتفل فقط بافتتاح متحف، بل نحتفل بانتصار الهوية المصرية التي حاولوا طمسها، وبعودة روح الوطن التي لم تمت يومًا.
لقد انتصر الإخلاص على الخيانة، والعلم على الجهل، والبناء على الفوضى.
مصر اليوم لا تروي التاريخ بل تكتبه من جديد.
تكتبه بعرق أبنائها، وبإرادة قائدها، وبإيمان شعبها بأن المستحيل مجرد كلمة عابرة أمام أمة خلقت لتبقى.
حين تتحدث الحجارة.. .تصمت الأكاذيب
ها هي مصر، تقف شامخة في وجه كل من أراد إذلالها، وتُعلن للعالم أن من يملك التاريخ لا يُهزم، ومن يملك الهوية لا يُمحى، المتحف المصري الكبير ليس فقط صرحًا أثريًا، بل هو رمزٌ لانتصار الروح المصرية التي لا تموت، مهما اشتدت العواصف.
وحين تُضاء أنوار المتحف ليلة الافتتاح، ستُضيء معها ذاكرة وطن قاوم الظلام بالنور، والخراب بالعلم، واليأس بالأمل. مصر لا تُكسر.. .مصر تُبهر.
وستظل تبهر العالم إلى الأبد.
اقرأ أيضاًطريقة مشاهدة افتتاح المتحف المصري الكبير على «تيك توك» بث مباشر
افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. طريقة الحصول على العملات التذكارية الذهب والفضة
مجدي البدوي: المتحف المصري الكبير بوابة السياحة الجديدة وحارس تاريخ الوطن
